سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ} أي: بالماء، {نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ} أي من الماء، وقيل: من النبات، {خَضِرًا} يعني: أخضر، مثل العَوَر والأعور، يعني: ما كان رطبا أخضر مما ينبت من القمح والشعير ونحوهما، {نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا} أي متراكما بعضه على بعض مثل سنابل البر والشعير والأرز وسائر الحبوب، {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا} والطلع أول ما يخرج من ثمر النخل، {قِنْوَانٌ} جمع قنو وهو العِذق، مثل صنو وصنوان، ولا نظير لهما في الكلام، {دَانِيَةٌ} أي: قريبة المتناول ينالها القائم والقاعد، وقال مجاهد: متدلية، وقال الضحاك: قصار ملتزقة بالأرض، وفيه اختصار معناه: ومن النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هي بعيدة، فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لسبقه إلى الأفهام، كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النمل، 81] يعني: الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما {وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ} أي: وأخرجنا منه جنات، وقرأ الأعمش عن عاصم {وجنات} بالرفع نسقا على قوله: {قنوان} وعامة القراء على خلافه، {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} يعني: وشجر الزيتون وشجر الرمان، {مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} قال قتادة: معناه مشتبها ورقها مختلفا ثمرها، لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان، وقيل: مشتبه في المنظر مختلف في الطعم، {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} قرأ حمزة والكسائى بضم الثاء والميم، هذا وما بعده وفي يس على جمع الثمار، وقرأ الآخرون بفتحهما على جمع الثمرة، مثل: بقرة وبقر، {إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} ونضجه وإدراكه، {إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.


قوله عز وجل: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} يعني: الكافرين جعلوا لله الجن شركاء، {وَخَلَقَهُمْ} يعني: وهو خلق الجن.
قال الكلبي: نزلت في الزنادقة، أثبتوا الشركة لإبليس في الخلق، فقالوا: الله خالق النور والناس والدواب والأنعام، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب، وهذا كقوله: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} [الصافات، 158] وإبليس من الجنة، {وَخَرَقُوا} قرأ أهل المدينة {وخرَّقوا}، بتشديد الراء على التكثير، وقرأ الآخرون بالتخفيف، أي: اختلقوا {لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وذلك مثل قول اليهود عزير ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله، وقول كفار العرب الملائكة بنات الله، ثم نزه نفسه فقال: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}.
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: مبدعهما لا على مثال سبق، {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} أي: كيف يكون له ولد؟ {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} زوجة، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} فأطيعوه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} بالحفظ له وبالتدبير فيه، {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} الآية، يتمسك أهل الاعتزال بظاهر هذه الآية في نفي رؤية الله عز وجل عيانا.
ومذهب أهل السنة: إثبات رؤية الله عز وجل عيانا جاء به القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة، 23]، وقال: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين، 15]، قال مالك رضي الله عنه: لو لم ير المؤمنون ربهم يوم القيامة لم يعيّر الله الكفار بالحجاب، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس، 26]، وفسره بالنظر إلى وجه الله عز وجل.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي أنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عيانا».


وأما قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ} علم أن الإدراك غير الرؤية لأن الإدراك هو: الوقوف على كُنهِ الشيء والإحاطة به، والرؤية: المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك، قال الله تعالى في قصة موسى {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال: كلا} [سورة الشعراء، 61]، وقال: {لا تخاف دركا ولا تخشى} [سورة طه، 77]، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية، فالله عز وجل يجوز أن يُرى من غير إدراك وإحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به، قال الله تعالى: {ولا يحيطون به علما} [سورة طه، 110]، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم، قال سعيد بن المسيب: لا تحيط به الأبصار، وقال عطاء: كلت أبصار المخلوقبن عن الإحاطة به، وقال ابن عباس ومقاتل: لا تدركه الأبصار في الدنيا، وهو يُرى في الآخرة، قوله تعالى: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} لا يخفى عليه شيء ولا يفوته، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: اللطيف بأوليائه الخبير بهم، وقال الأزهري: معنى {اللَّطِيفُ} الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق، وقيل: اللطيف الذي يُنسي العباد ذنوبهم لئلا يخجلوا، وأصل اللطف دقة النظر في الأشياء.
قوله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني الحجج البينة التي تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل، {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} أي: فمن عرفها وآمن بها فلنفسه عمل، ونفعه له، {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} أي: من عمي عنها فلم يعرفها ولم يصدقها فعليها، أي: فبنفسه ضر، ووبال العمى عليه، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} برقيب أحصي عليكم أعمالكم، إنما أنا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم.
{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} نفصلها ونبيّنها في كل وجه، {وَلِيَقُولُوا} قيل: معناه لئلا يقولوا، {دَرَسْتَ} وقيل: هذه اللام لام العاقبة أي عاقبة أمرهم أن يقولوا: درست، أي: قرأت على غيرك، وقيل: قرأت كتب أهل الكتاب، كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص، 8]، ومعلوم أنهم لم يلتقطوه لذلك، ولكن أراد أن عاقبة أمرهم أن كان عدوا لهم.
قال ابن عباس: وليقولوا يعني: أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درست، أي: تعلمت من يسار وجبر، كانا عبدين من سبي الروم، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله، من قولهم: درست الكتاب أدرس درسا ودراسة.
وقال الفرَّاء: يقولون تعلمت من اليهود، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {دارست} بالألف، أي: قارأت أهل الكتاب من المدارسة بين اثنين، تقول: قرأت عليهم وقرأوا عليك. وقرأ ابن عامر ويعقوب: {دَرَسَتْ} بفتح السين وسكون التاء، أي: هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة، قد درست وانمحت، من قولهم: درس الأثر يدرس دروسا. {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قال ابن عباس: يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد، وقيل: يعني أن تصريف الآيات ليشقى به قوم ويسعد به قوم آخرون، فمن قال درست فهو شقي ومن تبين له الحق فهو سعيد.

9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16